أعلن القضاء الفرنسي رفض شكوى السلطات الجزائرية المودعة ضد البرلمانية الأوروبية عن اليمين المتطرف سارة كنافو، والتي تتهمها بنشر أخبار كاذبة، لأسباب تتعلق بعدم “توافر الأركان القانونية اللازمة لإثبات الجنحة”.
وهذه الدعوى رفعتها الجزائر يوم الأربعاء الماضي، بعد تصريحات كنافو في مقابلة إذاعية على راديو “أر أم سي” يوم 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، ذكرت فيها أن فرنسا تقدم 800 مليون يورو سنوياً كمساعدات للجزائر، وهي معلومة غير صحيحة اعتبرتها السلطات الجزائرية مسيئة لها.
وأوضح مكتب المدعي العام في باريس، في بيان له نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، أن القضية تم حفظها بناءً على “عدم توافر أركان الجنحة”، حيث توصل التحقيق إلى أن “تصريحات كنافو كانت غير دقيقة وليست عمداً كاذبة”. كما أشار إلى أن التصريح “كان نتاج معلومات غير مكتملة أو تم التحقق منها بشكل غير كافٍ، ولكن دون نية التضليل المتعمد”.
ومن الناحية القانونية، أشار مكتب المدعي العام إلى أن جريمة “نشر أخبار كاذبة تتطلب توافر عنصرين: أولاً، يجب أن تكون المعلومة كاذبة عن قصد، وثانياً، يجب أن تسبب أو تثير اضطراباً في النظام العام”. وفي هذه الحالة، يقول إنه “لم يتم إثبات سوء النية في تصريحات كنافو، كما أن تصريحاتها لم تتسبب في أي اضطراب أو تأثير سلبي على النظام العام، خاصة وأنها جاءت في إطار نقاش عام حول المساعدات الدولية التي تقدمها فرنسا في ظل عجز ميزانيتها الوطنية”. وبناءً على هذه العوامل، خلص المدعي العام إلى أن الشكوى لا تستند إلى أساس قانوني قوي ليتم حفظ القضية.
وكانت الدولة الجزائرية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية، قد قدمت شكوى أمام القضاء في باريس ضد كنافو المنتمية لحزب “استرداد” اليميني المتطرف الذي يقوده رفيقها إيريك زمور. وتأتي هذه الشكوى التي أكدتها وكالة الأنباء الجزائرية، بعد تصريحات مضللة أطلقتها كنافو، حول الدعم المالي الذي تقدمه فرنسا للجزائر، في سياق طرحها لمقترحات من أجل تقليل النفقات العامة، في ظل المديونية الضخمة التي تعاني منها فرنسا.
وقالت كنافو في برنامج على قناة “أر أم سي”: “هل تعلمون أننا نقدم 800 مليون يورو للجزائر كمساعدات عامة للتنمية؟ وهل تعلمون أننا نقدم كل عام 120 مليون يورو للصين، وهي أكبر قوة اقتصادية في العالم؟”. ولاحقا، قامت بنشر هذا المقطع على حسابها في منصة “إكس” في فيديو حقق أكثر من مليون مشاهدة، لتثير بذلك ردود فعل واسعة واتهامات بنشر أخبار كاذبة.
وفي الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها سارة كنافو هذه الأرقام. ففي مايو الماضي، نشرت تغريدة على نفس الشبكة الاجتماعية، متسائلة: “كيف يمكننا أن نقدم 800 مليون يورو كمساعدات تنموية للجزائر كل عام، في حين أنها ترفض استعادة مهاجريها غير الشرعيين؟”.
وفي حقيقة الأمر، توضح مواقع رسمية فرنسية قيمة المبالغ المخصصة للمساعدات العامة للتنمية الموجهة لبلدان أخرى. وفيما يخص الجزائر، يظهر أن المبلغ السنوي الممنوح في عام 2022 هو 131.79 مليون يورو. وفي عام 2021 كان المبلغ 112.23 مليون يورو، وفي 2020 وصلت قيمة المبلغ إلى 111.63 مليون يورو. وبذلك، فإن مبلغ 800 مليون يورو يمثل إجمالي المبالغ التي تم منحها بين عامي 2017 و2022.
وعند تفحص كل الأرقام، يظهر أن الجزائر ليست من بين الدول الأكثر حصولا على المساعدات الفرنسية ضمن برنامج المساعدات العامة للتنمية. ففي الفترة بين 2018 و2022، كانت المغرب، تليها ساحل العاج، كولومبيا والكاميرون في مقدمة الدول المستفيدة. أما بالنسبة للصين، فتشير أحدث البيانات المتاحة عام 2020، إلى أن فرنسا قدمت 171.72 مليون يورو كمساعدات. وفي 2019، بلغ هذا الرقم 160.77 مليون يورو.
والمعروف أن حزب “استرداد” يبني الجزء الأكبر من خطابه السياسي، على التحذير من خطر المهاجرين على فرنسا، على الرغم من أن مؤسسه إيريك زمور من أصول يهودية جزائرية، بينما قرينته سارة كنافو مغربية الأصل، فيما يضم الحزب عددا من القياديين البارزين مثل جان مسيحة المصري الأصول.
ومن بين الجنسيات الأكثر حضورا في فرنسا، يركز زمور في خطاباته وتصريحاته على الجزائريين، وهو ما بدا واضحا خلال الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها سنة 2022 وخرج من الدور الأول. ومن أشهر التصريحات التي أدلى بها في تلك الفترة، قوله لجمعية الصحافة الأجنبية في فرنسا إن “ضعفنا هو الذي يجعل القادة الجزائريين متعجرفين”. متوعدا بإلغاء كل امتيازات اتفاقية الهجرة لسنة 1968 والتنصل من التزامات الذاكرة الاستعمارية الأليمة التي تجمع بين البلدين.